حسن الخلق

بسم الله الرحمن الرحيم

أختي الفتاة المسلمة...
من صفات المرأة المسلمة الناجحة (أنها حسنة الخلق، نبيلة المعشر, نبيهة القول, رقيقة الخطاب, آلفة مألوفة) [شخصية المرأة المسلمة، د/محمد عليالهاشمي، ص298].
فليس من الحكمة والعقل الصراحة رمي الآخر في وجهه بما هو فيه فعلًا.
ولكن هناك شيء هام جدًا هو التجمل واختيار الألفاظ المناسبة، وهذا من الخلق الحسن فعلى الابنة العاقلة (ألا تظهر ما في نفسها من شعور تجاه من لا تحب, بل تظهر بمظهر يخفي ما في نفسها من شعور الكراهية مثلًا أو عدم المحبة والارتياح, وتبش في وجه من تكره وتتلطف معه, وتلين له القول, كما جاء في قوله تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت:34].

كذلك مداراة الناس وتألفهم, والرفق بهم من أخلاق المؤمنين والمؤمنات, وخفض الجناح, ولين الكلام, وترك الإغلاظ للناس في الكلام من أسباب الألفة والتحابب والتقارب التي حض عليها الإسلام, وأوصى بها المسلمين والمسلمات بالأخذ بها في معاملاتهم) [الدور التربوي للوالدين في تنشئة الفتاة المسلمة, حنان عطية الطوري، ص298].

لكي تكوني ناجحة في حياتك الاجتماعية وحياتك العامة لابد أن تكوني طلقة الوجة, حسنة الخلق, لتكوني محببة للناس, ففي ذلك جمال للشخصية وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لاتحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق) [رواه مسلم].

علاقة الإيمان بحسن الخلق:
إن ضعف الخلق دليل على ضعف الإيمان, وقد نفى رسول الله صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان عمن عجز عن تحسين خلقه، فقد أقسم صلى الله عليه وسلم ذات مرة قائلًا: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قالوا: من هذا يا رسول الله قال: الجار لا يأمن جاره بوائقه) [متفق عليه].

فالأخلاق والآداب الفاضلة هي (ثمرة حقيقية لصحة العقيدة والعبادة والعلم, فكلما استقرت شجرة العقيدة في قلب المؤمن وآزرتها فروعها من صدق السجود لله رب العالمين, واعتضدت بأغصان مصابيح العلم بكتاب الله وسنه نبيه وحبيبه صلى الله عليه وسلم؛ فإن ذلك لابد أن يثمر على الجوارح من ثمار الأخلاق والآداب من كل زوج بهيج) [حياة النور, فريد مناع، ص140].

وما العلاقة بين الإيمان وضعف الخلق؟

ونحن نقول إن كل إناء بما فيه ينضح, فإذا كان في القلب ايمان ظهر ذلك بلاشك على الجوارح, وإذا ضعف الإيمان أو انعدم؛ سيظهر ذلك أيضًا على الجوارح.
(وقد ربط الإسلام بين الإيمان والسلوك عمومًا, والسلوك الأخلاقي بوجه خاص, فمن استقر الإيمان في قلبه يكون سلوكه بعيدًا عن الزلات, ويتورع صاحبه عن المحرمات والنصوص في ذلك كثيرة.
قال تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر} [العنكبوت45].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من لم يدع قول الزور والعمل، به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [رواه البخاري]، فعلاقة الأخلاق بالعبادة علاقة وطيدة.

سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا أصحابه فقال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه؛ أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار) [متفق عليه].
فالإيمان حقيقة, وكل حقيقة لها علاقة, وعلاقة الإيمان العمل به, وإذا دخل الإيمان القلوب واستقر بها نبضت بالحيوية, ودفعت النفوس إلى العمل بموجبها فالإيمان ماوقر في القلب وصدقه العمل.

ولذلك فالمؤمن كريم, صادق شجاع عفيف, يؤدي الأمانة، قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) [رواه البخاري][تربية المراهق في رحاب الإسلام, محمد حامد الناصر- ~~ة درويش ص9695، باختصار].

لماذا أُحسن أخلاقي؟
تعالي معي أختي الفتاة؛ لأصحبك في جولة سريعة حتى تعلمي قدر الخلق العظيم ومكانته في حياة المسلمة، وتكوين شخصيتها الناجحة:

1-غاية البعثة المحمدية:
فقد بلغ من عظم شأن الأخلاق في هذا الدين العظيم، أن جعلها النبي صلى الله عليه وسلم الغاية التي بعث من أجلها, وأرسل من أجل إشاعتها وأرسائها, فها هو يقول صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، (40)] ومن ثم, فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم صباحًا ومساءً قوله: (اللهم اهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدى لأحسنها إلا أنت واصرف عنى سيئها، لا يصرف عنى سيئها إلا أنت) [رواه مسلم].
ومن أجل ذلك, فقد كان هو بنفسه أبلغ مثال على رفعة الأخلاق السامية، حتى وصفه ربه جل وعلا فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4], فما ظنكِ ببشر أدبه ربه تعالى وصنعه على عينه, وهيأه لحمل رسالته وتبليغ كلمته الأخيرة إلى العالمين.

2- الخلق العظيم أو عذاب الجحيم:
ولقد يظن البعض أن التخلق بفضائل الآداب والأخلاق إنما هو من قبيل المستحب, الذي يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه, ولكن النبي صلى الله عليه وسلم يصحح ذلك المفهوم, لما قال له رجل: (يا رسول الله, فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها, غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها), فقال صلى الله عليه وسلم: (هى في النار), قال يا رسول الله: (فإن فلانة تذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها وأنها تصدق بالأثوار من الأقط، ولا تؤذى جيرانها بلسانها)، قال: (هى فى الجنة) [صصحه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (2560)].
(فتأملي كيف لم يُغن عن الأولى شدة اجتهادها في العبادة, فدخلت النار لما ساء خُلقها, بينما عظمت أخلاق الثانية من ثواب عبادتها القليلة؛ حتى أسكنتها في دار النعيم) [حياة النور, فريد مناع، ص146].

3-مجلس بقرب الحبيب:
(عندما يرى صلى الله عليه وسلم شوق الصحابة إلى الجنة, بل وإلى مجاورته فيها تجده يخبرهم أن الطريق الموصل إلى ذلك هو حسن الخلق) [زينة المرأة حسن الخلق, كيف تجاورين الحبيب في الجنة، د/أكرم رضا].
وكان صلى الله عليه وسلم يكرر على أسماع صحابته (أثر حسن الخلق في تكوين شخصية الإنسان المسلم، وفي رفع درجته عند الله, وسمو منزلته بين الناس) [شخصية المرأة المسلمة د/محمد عليالهاشمي، ص299].
فهنيأً لصاحب حسن الخلق بتلك الجائزة العظيمة, وهى الفوز بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, بل وحيازة مجلس بقربه يوم الفزع الأكبر وما ظنك بعبد قد أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يعدك بتلك المنقبة الرائعة فيقول: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا) [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، (971)].
(إنها فرصة عظيمة إذًا لتعويض ما فاتنا من شرف صحبته في الدنيا، أن ننالها في الأخرة بحسن الأخلاق وجمال الآداب) [حياة النور، فريد مناع، ص146].

4- مقعد في أعالي الجنان:
ولقد يدهش الكثيرون أن حسن الخلق هو أكثر ما يدخل الناس دار النعيم, بذا صرح الحبيب صلى الله عليه وسلم قال: (أكثر ما يدخل الجنة تقوى الله وحسن الخلق) [حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة، (977)], ويعدك الصادق الأمين الذي لا ينطق عن الهوى بسكن أعالي الجنان، إذا تمسكت بالخلق العظيم فيقول صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا ... وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه) [حسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (2648)].
وسر تلك المكانة العالية في أعالي الجنان لصاحب الخلق العظيم, يوضحه لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديثين عظيمين:
الأول: قوله صلى الله عليه وسلم (ما من شىء أثقل في الميزان من حسن الخلق) [صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (4799)].
والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم (إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة قائم الليل وساهر النهار) [صححه الألباني في مشكاة المصابيح، (5082)].
إذًا حسن الخلق في الإسلام شيء عظيم, به أثره الكبير في تهذيب الطباع وتزكية النفوس, وله أثره أيضًا في تهذيب الشخصية الاجتماعبة الراقية التي تتميز بها المرأة المسلمة.

5-أكمل المؤمنين:
وتظل مرتبة صاحب الخلق العظيم في تصاعد, ويظل شرفه في تنام, حتى تكون ذروة تلك الفضائل التي يحوزها، أن يجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أكمل الناس في خلال الإيمان بقوله صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا) [صححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، (1923)].
فجعل الإسلام حسن الخلق من كمال الايمان, إذ عد أحسن الناس خلقًا أكملهم إيمانًا, وهذا دليل أيضًا على العلاقة بين الإيمان والأخلاق.

6-الدين كله خلق:
وماذا يفوت صاحب الخلق العظيم من مراتب الإيمان، إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد جمع كل أعمال البر في حسن الخلق, لما سأله النواس بن سمعان رضى الله عنه قائًلا: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والأثم؟ فقال: (البر حسن الخلق, والأثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عيه الناس)[رواه مسلم].
ويشرح ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارجه فيقول: (فقابل البر بالأثم، وأخبر أن البر حسن الخلق, والأثم حواز الصدور, وهذا يدل على أن حسن الخلق هو الدين كله، وهو حقائق الإيمان وشرائع الإسلام, ولذا قابله بالأثم) [مدارج السالكين، ابن القيم, ص519].
(وقد اختلف تفسيره للبر، لأن البر يطلق باعتبارين معينين:
أحدهما: باعتبار معاملة الخلق بالإحسان إليهم, فيقال بر الوالدين، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقول: (البر شيء هين, وجه طليق وكلام لين).
وإذا قرن البر بالتقوى, كما في قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: 2]، فقد يكون المراد بالبر: معاملة الخلق بالإحسان وبالتقوى: معاملة الحق بفعل طاعته, واجتناب محرماته.
وقوله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2] قد يراد بالأثم المعاصي, وبالعدوان ظلم الخلق.
والمعنى الثاني من معنى البر: أن يراد به فعل جميع الطاعات الظاهرة و الباطنة) [مختصر جامع العلوم والحكم, هشام محمد سعيد آل برغش، ص193/194، باختصار].
7.علامة من علامات الصحة النفسية:
من مظاهر الصحة النفسية الخلق الرفيع, (وأن يكون الفرد متمتعًا بالصفات الحميدة التي تغلب على سلوكه, ولا يعني ذلك أن يتنزه عن الخطأ بطبيعته، ولكن يعني ذلك أن يلتزم السلوك السوي ويتجنب السلوك الخاطئ قدر أستطاعته وكلما أمكن ذلك.
وخير قدوة في ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان خلقه القرآن الكريم وقد وصفه ربه تعالى بذلك في قوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4].
إن الأخلاق الحميدة الحميدة يحتاجها الفرد في حياته اليومية, يحتاجها مع نفسه في تهذيب للنفس البشرية, والفرد يحتاجها مع الآخرين فهى تكسبه احترام وتقدير الآخرين وحبهم له.
إن الأخلاق في الإسلام طرقت جميع جوانب الحياة الإنسانية سواء كانت روحية أو جسمية أو دينية أو دنيوية أو عقلية أو انفعالية فردية أو اجتماعية، ويحث القرآن الكريم على التحلي بالأخلاق الفاضلة واتباع الأسلوب القويم والابتعاد عن الأذى والشر وسوء الخلق, ومن أهم المبادئ والقيم الأخلاقية التي يحث عليها الإسلام: آداب الحديث والتسامح والرحمة والحلم والصفح والعدالة في الأقوال والأفعال، والصدق والأمانة والوفاء والإخلاص والصبر والحياء والاتحاد والتعاون) [أساسيات الصحة النفسية والعلاج النفسي, د/رشا علي عبد العزيز موسى، ص(2202)].

ماذا بعد الكلام؟

بعد تعرفك علي قيمة حسن الخلق في الدنيا والآخرة، وأثره أيضًا على حياتك الاجتماعية وشخصيتك وصحتك النفسية؛ عليك بالآتي:
1.الدعاء لله تعالى: (اللهم كما أحسنت خَلقي، فأحسن خلقي).
2.راقبي من الآن أخلاقك وسلوكك مع الآخرين؛ لمحاولة تغيير الأخلاق التي لا تعجبك في نفسك.

جزاك الله خيرا